المائة يوم الأولى لترامب- تهديدات للديمقراطية وتحديات اقتصادية وخارجية

المؤلف: د. الخير عمر أحمد سليمان09.05.2025
المائة يوم الأولى لترامب- تهديدات للديمقراطية وتحديات اقتصادية وخارجية

تعتبر الأيام المئة الأولى لأي رئيس أمريكي بمثابة فرصة فريدة لتوطيد دعائم القيادة، ورسم معالم الرؤية الرئاسية في التعامل مع التحديات الحيوية التي تواجه الولايات المتحدة على المستويين الداخلي والخارجي. لقد أصبح الجدل المحتدم حول نتائج الأسابيع الأربعة عشرة الأولى للرئيس جزءًا لا يتجزأ من نقاشات النخبة المثقفة في واشنطن، ومنظورها للخطاب السياسي لرأس الدولة وفريقه التنفيذي. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل متعمق للأيام المئة الأولى للرئيس ترامب، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة المحورية التالية:

ما هو حجم الخطر الذي شكلته هذه المرحلة من ولاية ترامب على المشروع الديمقراطي الأمريكي، وما هي الدلالات التي تشير إلى ذلك؟ كيف أثرت السياسات التي تبناها خلال هذه الفترة على الأوضاع الاقتصادية الداخلية للولايات المتحدة؟ إلى أي مدى ساهمت نتائج سياساته الداخلية في التأثير على الخيارات الخارجية لواشنطن؟ ما هي الآمال التي يعلقها العالم على أمريكا، وما مدى واقعيتها؟ وهل يشهد العالم أفول الإمبراطورية الأمريكية، وما هي التبعات المحتملة على الأمن الإقليمي والدولي؟

تهديد المشروع الديمقراطي الأمريكي

ينظر العديد من الأمريكيين إلى الرئيس ترامب باعتباره تهديدًا جوهريًا للمشروع الديمقراطي الذي أرساه الآباء المؤسسون، ويتجلى ذلك في المؤشرات التالية:

أولًا: التوسع المفرط في السلطة التنفيذية

يشكل مبدأ الفصل بين السلطات حجر الزاوية في النظام الديمقراطي الأمريكي، وهو ما يقتضي استقلالية كل سلطة في أدائها لمهامها. إلا أنه يُلاحظ في هذا الصدد أن ترامب قد تجاوز حدود صلاحياته، وتعدى على اختصاصات الكونجرس، لا سيما في القضايا المتعلقة بالتجارة مع الدول الأخرى. فالكونجرس هو الجهة المنوط بها تقديم المشورة والمراقبة والتشريع في مسائل السياسة التجارية الأمريكية، وتتولى لجنتان رئيسيتان، هما لجنة الوسائل والطرق في مجلس النواب ولجنة المالية في مجلس الشيوخ، المسؤولية الأساسية عن هذه القضايا، وتضم كل لجنة منهما لجنة فرعية متخصصة في التجارة.

ويرى بعض أساتذة القانون الدستوري أن سياسات ترامب الجمركية، التي أحدثت اضطرابات في الاقتصاد العالمي، تمثل تجسيدًا لهذا التجاوز الصارخ على السلطة التشريعية التي يختص بها الكونجرس. وذلك على الرغم من وجود تشريعات تمنح الرئيس الحق في القيام بدور مؤثر في مجال التجارة الخارجية في حالة وجود تهديد للأمن القومي الأمريكي.

وبالتالي، فإن الحرب التجارية التي أوقدها ترامب تعتبر في نظر العديد من المحللين بمثابة تهديد وهمي لا وجود له إلا في تصور الرئيس. إلا أن الأمر المقلق يكمن في التعدي على صلاحيات تشريعية خالصة ممنوحة للكونجرس، وهو ما يثير المخاوف بشأن استدامة النظام الديمقراطي الأمريكي القائم على الفصل بين السلطات.

ثانيًا: استخدام القضاء لاستهداف الخصوم السياسيين

واجهت شرائح واسعة من الأفراد والمنظمات والجامعات خطر الملاحقات القضائية، ووقف التمويل، والفصل من الوظائف، وذلك استنادًا إلى معايير الولاء أو معاداة السامية. وفي هذا السياق، تعتبر المعركة الضارية الدائرة بين إدارة ترامب وجامعة هارفارد مثالًا صارخًا على التدخل السافر في الحرية الأكاديمية لمؤسسات التعليم العالي الأمريكية.

وقد دفع ذلك رئيس الجامعة، آلان غاربر، إلى توجيه رسالة مفتوحة إلى الإدارة الجمهورية، يعرب فيها عن رفضه القاطع لقائمة المطالب التي قدمتها الإدارة إلى الجامعة، مؤكدًا على أنه "لا ينبغي لأي حكومة – بغض النظر عن انتمائها الحزبي – أن تملي على الجامعات الخاصة ما يمكنها تدريسه، وقبوله، وتوظيفه، وما هي المجالات الدراسية والبحثية التي يمكنها متابعتها".

ويندرج ضمن نطاق توظيف القانون لملاحقة الخصوم السياسيين، وهو أحد التهديدات التي تواجه النظام الديمقراطي، قيام المدعية العامة الفيدرالية في نيوجيرسي، ألينا هابا، التي عينها ترامب قبل شهر، بفتح تحقيق مع الحاكم الديمقراطي فيل مورفي والمدعي العام للولاية مات بلاتكين، وذلك بتهمة توجيههما أجهزة إنفاذ القانون في الولاية بعدم التعاون مع العملاء الفيدراليين الذين ينفذون قوانين الهجرة. مع الأخذ في الاعتبار أن القانون يمنح السلطات الولائية والمحلية الحق في عدم التعاون في إنفاذ أوامر القبض والإبعاد الصادرة من سلطات الهجرة.

وكان من ضحايا هذا التعسف في استخدام القانون لتصفية الخصومات السياسية الناجمة عن اختلاف وجهات النظر حول الأحداث المأساوية التي شهدتها غزة، عدد من الطلاب الدوليين. وأصبح كل من تظاهر ضد هذه الأحداث خلال الحراك الطلابي الأمريكي هدفًا للإبعاد من قبل سلطات الهجرة، دون منحهم الحق في الدفاع عن أنفسهم.

وفي السياق ذاته، تم إلغاء العديد من التأشيرات السارية المفعول التي كان يتمتع بها هؤلاء الطلاب. وترى العديد من الجمعيات الحقوقية والمدنية أن هذه الإجراءات تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة في حال ثبوت التهمة، بالإضافة إلى أن التعسف في استخدام القانون يقوض الحريات المدنية التي تعتبر من أبرز سمات الديمقراطية الأمريكية.

ثالثًا: الإرباك المؤسسي: تمت عملية الإرباك المؤسسي وتغييب قواعد الحكم الرشيد من خلال الآتي:

الأوامر التنفيذية

شكلت المئة يوم الأولى من الولاية الرئاسية الثانية لترامب أكثر الفترات اضطرابًا في التاريخ الأمريكي الحديث. فبدلًا من اللجوء إلى الكونجرس لتمرير أجندته التشريعية، انتهج سياسة إصدار الأوامر التنفيذية والالتفاف على الهيئة التشريعية، والسعي إلى تحقيق برنامجه السياسي دون أي رقابة.

وفي هذا الإطار، قام ترامب منذ توليه منصبه وحتى نهاية الأشهر الثلاثة الأولى، بإصدار 142 أمرًا تنفيذيًا، مقارنة بـ 33 أمرًا تنفيذيًا خلال فترة رئاسته الأولى في عام 2017. وتعتبر هذه النسبة الأعلى في تاريخ الرؤساء خلال فترة المئة يوم الأولى، مما يعكس حجم الارتباك الناجم عن تجاوز المؤسسة التشريعية، على الرغم من سيطرة حزبه على مجلسي النواب والشيوخ.

تسييس الخدمة المدنية

يشكل تسييس الخدمة المدنية إحدى المشكلات المزمنة التي تعاني منها الدول النامية، ويتجلى ذلك في تعيين الموالين وأصحاب الثقة، وتفضيلهم على ذوي الكفاءة. ولم تكن هذه الظاهرة حاضرة في القاموس السياسي الأمريكي، خاصة في المؤسسات ذات الطابع المهني، مثل وزارتي الخارجية والدفاع والمؤسسات الأمنية. إلا أن هؤلاء يعتبرون في نظر الرئيس ترامب امتدادًا لما يسميه "الدولة العميقة" التي عرقلت برنامجه السياسي في فترة رئاسته الأولى، وبالتالي وجب استئصالهم بحجة أنهم أعداء الأمة.

وكان استئصال هؤلاء جزءًا من وعوده الانتخابية التي قال فيها: "يجب أن نستعيد الدولة من أعضاء الدولة العميقة، إنهم أعداء يعيشون بيننا". ولذلك، أصدر سلسلة من الأوامر والمذكرات التي أعاقت عمل العديد من الوكالات والدوائر الحكومية. وتجسد ذلك في التفكير في إنشاء "إدارة الكفاءة الحكومية"، المعروفة اختصارًا بـ DOGE، وإسناد إدارتها إلى إيلون ماسك، بهدف تحسين كفاءة الوكالات الحكومية. إلا أن هذه الوكالة الجديدة تم استخدامها للتخلص من عدد كبير من الموظفين الفيدراليين، ومن المرجح أن يتم إلغاء 100 ألف وظيفة على الأقل، وربما أكثر من ذلك بكثير، ما لم تلغ المحاكم هذه القرارات.

وفي المقابل، تم توظيف عدد كبير من الموالين لترامب، وسيكون لهذا التطهير الذي طال الموظفين الفيدراليين تداعيات كبيرة على مستقبل الولايات المتحدة، وقدرتها التنافسية في مواجهة الصين وبقية المنافسين الاستراتيجيين.

الوضع الاقتصادي

يمكن تقييم الوضع الاقتصادي من خلال استطلاع رأي أجرته قناة فوكس نيوز المقربة من ترامب، والذي أشار إلى أن نسبة المؤيدين لسياسات ترامب الاقتصادية بلغت 38% فقط. وتعزى هذه النسبة المنخفضة لشعبية ترامب في إدارة الملف الاقتصادي خلال فترة المئة يوم الأولى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مما أدى إلى ازدياد معدلات التضخم بسبب رفع التعريفة الجمركية على واردات السلع الأجنبية.

وقد أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في مؤتمر صحفي، إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب بدأت في دفع التضخم إلى الارتفاع، ومن المرجح أن تعرقل التقدم الذي أحرزه البنك المركزي في خفض التضخم الذي بلغ ذروته في عام 2022.

ووفقًا لتوقعات باول، لا يزال بنك الاحتياطي الفيدرالي يتوقع عودة التضخم إلى ما يقرب من 2% بحلول نهاية العام المقبل، مع ضرورة الإشارة إلى أن نسبة التضخم الحالية تبلغ 2.4%، مؤكدًا على أن التعريفات الجمركية قد تؤدي فقط إلى زيادة في الأسعار، بدلًا من تعزيز التضخم بشكل مستمر.

من وجهة نظر تحليلية، يمكن القول إنه على الرغم من الصورة المتفائلة التي رسمت للاقتصاد الأمريكي من قبل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، تظل الحقيقة الماثلة أمام المواطن الأمريكي العادي الذي يتعامل مع احتياجاته اليومية في مراكز بيع السلع والخدمات، هي أن الأسعار تتجاوز قدرته على الإنفاق. وقد انعكس ذلك على انخفاض شعبية ترامب في إدارة الملف الاقتصادي، إذ بلغت 36%. وإذا استمر هذا الارتفاع الجنوني الذي تشهده الأسواق الأمريكية، فقد تكون له نتائج سياسية مباشرة في تركيبة السلطة في واشنطن على مستوى انتخابات التجديد النصفي القادمة، وعلى المستوى الخارجي كذلك.

البريكست التجاري وتداعياته

لم يسبق قرار ترامب خلال مئويته الأولى بمحاربة العالم أجمع، والخروج من النظام الاقتصادي العالمي الذي تشكلت ملامحه عبر اتفاق بريتون وودز الموقع في عام 1944، والذي كان أساسًا للتجارة الحرة بين الدول، أي فترة انتقالية مثلما حدث في تجربة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. بيد أنّ العيب الرئيسي لخروجها وقتذاك تمثل في اضطراب العلاقات الاقتصادية والتجارية.

الأمر الذي أدى لاحقًا إلى تراجع اقتصادها (المملكة المتحدة) وتراجع تجارتها مع أقرب جيرانها، وواجهت بسبب ذلك حواجز أكبر أمام التجارة وتدفقات رأس المال وتنقل العمالة، مما أثر سلبًا على الإنتاج والوظائف. والأمر ذاته يمكن أن ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية؛ نتيجة للحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي خلال مئويته الأولى.

ويعتقد الرئيس ترامب أنه قادر على إعادة رسم خريطة النظام التجاري العالمي، وإجبار خصومه التجاريين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات عبر الضغط التجاري، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

ففرص واشنطن في التواجد الدولي وقيادة النظام العالمي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بانفتاحها على العالم، وليس بانغلاقها وتقوقعها في محيط السياسات الحمائية التي ستضعف قدرتها على التفاعل الإيجابي وإثراء تجربتها التي ازدهرت بفضل حرية حركة رؤوس الأموال والأفراد.

إن الخروج البشري الذي عززته سياسة إغلاق الحدود وإبعاد المهاجرين وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، على الرغم من أنه يقع ضمن نطاق وعود ترامب الانتخابية التي نجح في تحقيقها بصورة واضحة خلال المئة يوم الماضية، يشكل تعطيلًا لرافد لطالما أثرى الإبداع والابتكار في رحلة أمريكا نحو التميز في مختلف المجالات، لا سيما قطاع التكنولوجيا، وما تجربة السيليكون فالي وروادها ببعيدة.

ولعل أبرز المستفيدين من خروج واشنطن التجاري هي الصين، التي ستتاح لها فرصة التغلغل في مناطق مختلفة من العالم، وذلك بمنطق أن أي فراغ ستخلفه أمريكا سيُملأ بفاعل صيني، مع الأخذ في الاعتبار أن بكين قطعت أشواطًا بعيدة في اتجاه ربط نفسها بمختلف مناطق العالم عبر مبادرة الحزام والطريق. وبالتالي، فإن حرب ترامب التجارية في مئويته الأولى، واختياره للعزلة الحمائية، سيتيحان فرصة أكبر للصين لتقديم نفسها كقوة بديلة مستعدة للدخول في شراكات مثمرة ستمكنها لاحقًا من ترجمة النفوذ التجاري والاقتصادي إلى نفوذ عسكري ودفاعي يمكنها من فرض شروط وقواعد اللعبة التي انفردت بها أمريكا لعقود.

خطأ المقاربة الخارجية

شهدت المئة يوم الأولى للرئيس ترامب على الصعيد الخارجي تفاقم أزمة الثقة في النظام الأمريكي برمته، وذلك بسبب استمرار واشنطن في استخدام سياساتها الاقتصادية كسلاح، وتقويض مؤسساتها الداخلية التي بنيت على قاعدة تعزيز حكم القانون.

وفي هذا السياق، يشير الرئيس التنفيذي لشركة ديفير إلى أن الثقة بالدولار استندت منذ زمن طويل على سيادة القانون، والاستقرار الجيوسياسي، والقيادة الاقتصادية الأمريكية الثابتة. ولكن مع تفكيك ترامب لخريطة تحالفاته مع شركائه الأوروبيين، واعتماده في الحكم على قرارات تنفيذية، أدى ذلك إلى إضعاف ثقة الكثير من الشركاء الحاليين والمحتملين في الولايات المتحدة، وأصبح ينظر إليها، على الرغم من مكانتها، باعتبارها شريكًا غير موثوق به.

ومن العوامل التي عززت عدم الثقة في الإدارة الأمريكية، أن إدارة ترامب لم تمارس ضغوطًا كافية على نتنياهو للتفاوض بجدية لوقف الصراع الدائر في غزة، على الرغم من أن الطرف الفلسطيني قد أوفى بالتزاماته. ولم يحرك إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي على حقه في مواصلة القتال، حتى لو أطلقت حماس سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، الإدارة الأمريكية الجديدة في أن تتقدم خطوة نحو الوفاء بتعهداتها للناخبين وللعالم، الأمر الذي يقوض أي فرص لتعامل العالم مع واشنطن باعتبارها شريكًا جديرًا بالثقة.

ولعل ما تسرب من معلومات عن دخولها في مفاوضات سرية مع إيران بهدف التوصل إلى تسوية ربما تحيد طهران عن المضي قدمًا في برنامجها النووي، وتحويله للأغراض السلمية، يعزز من عدم الموثوقية في أمريكا، التي ربما أدارت ظهرها بهكذا خطوة لشركائها الخليجيين، وهو ما حدث للحلفاء الأوروبيين، خاصة في الملف الأوكراني. وعليه، فإن أي تراجع في دور واشنطن بسبب الانكفاء الداخلي، أو عدم ثقة العديد من الأطراف الإقليمية والدولية في أمريكا، سيصب في صالح الصين.

ثمة موضوع آخر يمكن الإشارة إليه في سياق خطأ المقاربة الخارجية لترامب في مئويته الأولى، وهو موضوع إحلال السلام في أوكرانيا، حيث وعد بإنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في وقت وجيز. بيد أن خطأ التقديرات السياسية أدى إلى خلق نوع من عدم الثقة بين واشنطن وكييف من جهة، وأمريكا والشركاء الأوروبيين من جهة أخرى، الأمر الذي يصب في محصلته النهائية في إضعاف الدور الخارجي للولايات المتحدة الأمريكية.

الخلاصة

تمثل المئة يوم الأولى من فترة رئاسة ترامب الثانية تحديًا حقيقيًا للداخل الأمريكي والخارج على حد سواء. فعلى الصعيد الداخلي، فإن إضعاف روح القانون وسيادته، وتوظيف المؤسسات القضائية للعب دور سياسي، أمر بالغ الخطورة، ولعل أحد أهم تداعياته هو أن الديمقراطية الأمريكية ستكون مهددة بشكل كامل، وربما يتعاظم هذا التهديد بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية، وذلك من واقع أن ما يقوم به ترامب سيضعف ثقة الناس في المؤسسات باعتبارها قائمة على الولاء، وليس على الكفاءة، وبالتالي سينزع ذلك عنها ثوب الشرعية، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة، إن لم يكن من الاستحالة، أن تلعب واشنطن دورًا خارجيًا مؤثرًا باعتبارها قوة عظمى، بسبب انكشاف ظهرها، وصعوبة ترميم ما قام به ترامب خلال مئة يوم، ناهيك عمّا سيقوم به خلال أكثر من ثلاث سنوات قادمة.

وفي المقابل، فإن تآكل أمريكا من الداخل، وعجزها عن لعب دور يتماشى مع مكانتها على الصعيد الخارجي، سيغريان الصين وعددًا من المنافسين الدوليين بملء الفراغ الذي ستخلفه واشنطن، ولن تمر الحرب التجارية التي شنها ترامب ضد الجميع دون عواقب وخيمة.

ولعل أبرز تلك النتائج هو أن هناك أطرافًا عديدة باتت قادرة على أن تقول لأمريكا "لا يمكنك فعل ذلك دون ثمن"، ومع عجز ترامب عن الوفاء بتعهداته التي قطعها على نفسه في خطاب التنصيب بأنه قادر على إعادة "الإيمان والثروة والديمقراطية والحرية"، فإن الباب يظل مفتوحًا لتشكل نظام متعدد الأقطاب تلعب فيه أمريكا دورًا محدودًا أسوة بالآخرين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة